فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

قوله: {والنازعات غرقاً والناشطات نشطاً والسابحات سبحاً فالسابقات سبقاً}
اختلفت عبارات المفسرين في هذه الكلمات هل هي صفات لشيء واحد أو لأشياء مختلفة على أوجه واتفقوا على أن المراد بقوله: {فالمدبرات أمراً} وصف لشيء واحد وهم الملائكة:
الوجه الأول: في قوله تعالى: {والنازعات غرقاً} يعني الملائكة تنزع أرواح الكفار من أقاصي أجسامهم.
كما يغرق النازع في القوس فيبلغ بها غاية المد، والغرق من الإغراق أي، والنازعات إغراقاً وقال ابن مسعود: «إن ملك الموت، وأعوانه ينزعون روح الكافر كما ينزع السفود الكثير الشعب من الصوف المبتل، فتخرج نفس الكافر كالغريق في الماء» {والناشطات نشطاً} الملائكة تنشط نفس المؤمن أي تسلها سلاًّ رفيقاً فتقبضها كما ينشط العقال من يد البعير، وإنما خص النزع بنفس الكافر والنشط بنفس المؤمن، لأن بينهما فرقاً فالنزع جذب بشدة والنشط جذب برفق، {والسابحات سبحاً} يعني الملائكة يقبضون أرواح المؤمنين يسلونها سلاً رفيقاً، ثم يدعونها حتى تستريح، ثم يستخرجونها كالسابح في الماء يتحرك فيه برفق ولطافة، وقيل هم الملائكة ينزلون من السماء مسرعين كالفرس الجواد إذا أسرع في جريه.
يقال له سابح {فالسابقات سبقاً} يعني الملائكة سبقت ابن آدم بالخير والعمل الصالح، وقيل هم الملائكة تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة.
الوجه الثاني: في قوله: {والنازعات غرقاً} يعني النفس حين تنزع من الجسد، فتغرق في الصدر ثم تخرج {والناشطات نشطاً}، قال ابن عباس: هي نفوس المؤمنين تنشط للخروج عند الموت لما ترى من الكرامة، وذلك لأنه يعرض عليه مقعده في الجنة قبل أن يموت وقال على بن أبي طالب: هي أرواح الكفار تنشط بين الجلد، والأظفار حتى تخرج من أفواههم بالكرب والغم.
{والسابحات سبحاً} يعني أرواح المؤمنين حين تسبح في الملكوت {فالسابقات سبقاً} يعني استباقها إلى الحضرة المقدسة.
الوجه الثالث: في قوله تعالى: {والنازعات غرقاً} يعني النجوم تنزع من أفق إلى أفق تطلع ثم تغيب {والناشطات نشطاً} يعني النجوم تنشط من أفق إلى أفق، أي تذهب {والسابحات سبحاً}، يعني النجوم والشمس والقمر يسبحون في الفلك.
{فالسابقات سبقاً} يعني النجوم يسبق بعضها بعضاً في السير.
الوجه الرابع: في قوله تعالى: {والنازعات غرقاً} يعني خيل الغزاة تنزع في أعنتها وتغرق في عرقها وهي {الناشطات نشطاً} لأنها تخرج بسرعة إلى ميدانها، وهي {السابحات} في جريها، وهي السابقات سبقاً لاستباقها إلى الغاية.
الوجه الخامس: في قوله: {والنازعات غرقاً} يعني الغزاة حين تنزع قسيها في الرمي فتبلغ غاية المد وهو قوله غرقاً، {والناشطات نشطاً} أي السّهام في الرمي {والسابحات سبحاً فالسابقات سبقاً} يعني الخيل والإبل حين يخرجها أصحابها إلى الغزو.
الوجه السادس: ليس المراد بهذه الكلمات شيئاً واحدًّا، فقوله: {والنازعات} يعني ملك الموت ينزع النفوس {غرقاً} حتى بلغ بها الغاية، {والناشطات نشطاً} يعني النفس تنشط من القدمين بمعنى تجذب، {والسابحات سبحاً} يعني السفن، {والسابقات سبقاً} يعني مسابقة نفوس المؤمنين إلى الخيرات والطاعات.
أما قوله: {فالمدبرات أمراً}، فأجمعوا على أنهم الملائكة قال ابن عباس: هم الملائكة وكلوا بأمور عرفهم الله: العمل بها وقال عبد الرّحمن بن سابط يدبر الأمر في الدنيا أربعة أملاك جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت، واسمه عزرائيل، فأما جبريل فموكل بالرّياح والجنود، وأما ميكائيل فموكل بالقطر والنّبات، وأما ملك الموت فموكل بقبض الأنفس، وأما إسرافيل فهو ينزل عليهم بالأمر من الله تعالى أقسم الله بهذه الأشياء لشرفها، ولله أن يقسم بما يشاء من خلقه، أو يكون التقدير، ورب هذه الأشياء، وجواب القسم محذوف تقديره لتبعثن، ولتحاسبن، وقيل جوابه {إن في ذلك لعبرة لمن يخشى} {قلوب يومئذ واجفة} {يوم ترجف الراجفة} يعني النفخة الأولى يتزلزل ويتحرك لها كل شيء، ويموت منها جميع الخلق {تتبعها الرادفة} يعني النفخة الثانية ردفت الأولى وبينهما أربعون سنة، وقال قتادة: هما صيحتان فالأولى تميت كل شيء، والأخرى تحيي كل شيء بإذن الله ّ وقيل {الراجفة} التي تزلزل الأرض والجبال، و{الرادفة} التي تشق السماء، وقيل {الراجفة} القيامة و{الرادفة} البعث يوم القيامة.
روى البغوي بسند الثعلبي عن أبي بن كعب قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ربع اللّيل قام وقال: أيّها الناس اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه».
قوله: {قلوب يومئذ واجفة} أي خافقة قلقة مضطربة، وقيل وجله زائلة عن أماكنها {أبصارها خاشعة} أي أبصار أهلها خاشعة ذليلة، والمراد بها الكفار بدليل قوله تعالى: {يقولون} يعني المنكرين للبعث إذا قيل لهم إنكم مبعوثون بعد الموت.
{أئنا لمردودون في الحافرة} يعني أنرد إلى أول الحال، وابتداء الأمر فنصير أحياء بعد الموت كما كنا أول مرة والعرب تقول رجع فلان في حافرته، أي رجع من حيث جاء فالحافرة عنده اسم لابتداء الشيء وأول الشيء ويقال رجع فلان في حافرته أي في طريقه الذي جاء منه يحفره بمشيئته، فحصل بأثر قدميه حفر فهي محفورة في الحقيقة، وقيل {الحافرة} الأرض التي تحفر فيها قبورهم سميت حافرة لأنها يستقر عليها الحافر، والمعنى أئنا لمردودون إلى الأرض فنبعث خلقاً جديداً نمشي عليها، وقيل الحافرة النار {أئذا كنا عظاماً نخرة} أي بالية وقرئ {ناخرة} وهما بمعنى، وقيل الناخرة المجوفة التي يمر فيها الريح فتنخر أي توصت {قالوا} يعني المنكرين للبعث إذا عاينوا أهوال القيامة {تلك إذاً كرة خاسرة} أي رجعة غابنة يعني إن رددنا بعد الموت لنخسرن بما يصيبنا بعد الموت.
{فإنما هي} يعني النفخة الأخيرة {زجرة واحدة} أي صيحة واحدة يجمعون بها جميعاً {فإذا هم بالساهرة} يعني وجه الأرض سميت ساهرة لأن عليها نوم الحيوان وسهرهم، وقيل هي التي كثر الوطء عليها كأنها سهرت، والمعنى أنهم كانوا في بطن الأرض.
فلما سمعوا الصيحة صاروا على وجهها، وقيل هي أرض الشام وقيل أرض القيامة، وقيل هي أرض جهنم.
قوله: {هل أتاك حديث موسى} يا محمد وذلك أنه صلى الله عليه وسلم شق عليه حين كذبه قومه، فذكر له قصة موسى وأنه كان يتحمل المشاق من قومه ليتأسى به {إذ ناداه ربه بالواد المقدس} أي المطهر {طوى} هو اسم واد بالشام عند الطور {اذهب إلى فرعون إنه طغى} أي علا وتكبر وكفر بالله {فقل هل لك إلى أن تزكى} أي تتطهر من الشّرك والكفر، وقيل معناه تسلم وتصلح العمل وقال ابن عباس: تشهد أن لا إله إلا الله {وأهديك إلى ربك} أي أدعوك إلى عبادة ربك وتوحيده {فتخشى} يعني عقابه وإنما خص فرعون بالذكر، وإن كانت دعوة موسى شاملة لجميع قومه لأن فرعون كان أعظمهم فكانت دعوته دعوة لجميع قومه {فأراه} أي أرى موسى فرعون {الآية الكبرى} يعني اليد البيضاء والعصا {فكذب} يعني فرعون بأنها من الله {وعصى} أي تمرد وأظهر التجبر {ثم أدبر} أي أعرض عن الإيمان {يسعى} يعمل الفساد في الأرض {فحشر} أي فجمع قومه وجنوده {فنادى} أي لما اجتمعوا {فقال} يعني فرعون لقومه {أنا ربكم الأعلى} أي لا رب فوقي، وقيل أراد أن الأصنام أرباب وهو ربها وربهم {فأخذه الله نكال الآخرة والأولى} أي عاقبة فجعله عبرة لغيره بأن أغرقه في الدنيا ويدخله النار في الآخرة، وقيل أراد بالآخرة والأولى كلمتي فرعون وهما قوله: {ما علمت لكم من إله غيري} وقوله: {أنا ربكم الأعلى} وكان بينهما أربعون سنة {إن في ذلك} أي في الذي فعل بفرعون حين كذب وعصى {لعبرة} أي عظة {لمن يخشى} أي يخاف الله ثم عاتب منكري البعث فقال تعالى: {أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها} معناه أخلقكم بعد الموت أشد أم خلق السّماء عندكم في تقديركم.
فإن كلا الأمرين بالنسبة إلى قدرة الله واحد، لأن خلق الإنسان على صغره وضعفه إذا أضيف إلى خلق السماء مع عظمها وعظم أحوالها كان يسيراً فبين تعالى: أن خلق السماء أعظم، وإذا كان كذلك كان خلقكم بعد الموت أهون على الله تعالى: فكيف تنكرون ذلك مع علمكم بأنه خلق السموات والأرض ولا تنكرون ذلك.
ثم إنه تعالى ذكر كيفية خلق السّماء والأرض.
{رفع سمكها} يعني علو سمتها، وقيل رفعها بغير عمد {فسواها} أي أتقن بناءها، فليس فيها شقوق، ولا فطور، {وأغطش} أي أظلم {ليلها} والغطش الظلمة {وأخرج} أي وأظهر وأبرز {ضحاها} أي نهارها، وإنما عبر عن النهار بالضحى لأنه أكمل أجزاء النهار في النور، والضوء، وإنما أضاف الليل والنهار إلى السماء لأنهما يجريان بسبب غروب الشمس وطلوعها، وهي في السماء ثم وصف كيفية خلق الأرض.
فقال تعالى: {والأرض بعد ذلك دحاها} أي بسطها ومدها قال أمية بن أبي الصلت:
دحوت البلاد فسويتها ** وأنت على طيها قادر

فإن قلت ظاهر هذه الآية، يقتضي أن الأرض خلقت بعد السّماء بدليل قوله تعالى: {بعد ذلك} وقد قال تعالى في حم السّجدة {ثم استوى إلى السماء} فكيف الجمع بين الآيتين وما معناهما.
قلت خلق الله الأرض أولاً مجتمعة، ثم سمك السماء ثانياً، ثم دحا الأرض بمعنى مدها وبسطها.
ثالثاً، فحصل بهذا التفسير الجمع بين الآيتين، وزال الإشكال قال ابن عباس: خلق الله الأرض بأقواتها، من غير أن يدحوها قبل السماء ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات، ثم دحا الأرض بعد ذلك، وقيل معناه والأرض مع ذلك دحاها كقوله: {عتل بعد ذلك زنيم} أي مع ذلك {أخرج منها ماءها ومرعاها} أي فجر من الأرض عيونها، ومرعاها أي رعيها، وهي ما يأكله النّاس، والأنعام واستعير الرعي للإنسان على سبيل التّجوز.
{والجبال أرساها} أي أثبتها {متاعاً لكم ولأنعامكم} أي الذي أخرج من الأرض هو بلغة لكم ولأنعامكم.
قوله: {فإذا جاءت الطّامة الكبرى} يعني النّفخة الثانية، التي فيها البعث، وقيل الطامة القيامة سميت بذلك لأنها تطم على كل شيء فتعلو عليه، والطامة عند العرب الداهية التي لا تستطاع.
{يوم يتذكر الإنسان ما سعى} أي ما عمل في الدنيا من خير، أو شر.
{وبرزت الجحيم لمن يرى} يعني أنه ينكشف عنها الغطاء فينظر إليها الخلق {فأما من طغى} أي كفر {وآثر الحياة الدّنيا} أي على الآخرة {فإن الجحيم هي المأوى} أي لمن هذه صفته {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى} أي المحارم التي يشتهيها وقيل هو الرجل يهم بالمعصية، فيذكر مقامه بين يديه جلّ جلاله للحساب فيتركها لذلك {فإن الجنة هي المأوى} أي لمن هذه صفته.
قوله: {يسألونك} أي يا محمد {عن الساعة أيّان مرساها} أي متى ظهورها وقيامها {فيم أنت من ذكراها} أي لست في شيء من علمها وذكراها حتى تهتم لها وتذكر وقتها {إلى ربك منتهاها} أي منتهى علمها لا يعلم متى تقوم الساعة إلا هو، وقيل معناه فيم إنكار لسؤالهم، أي فيم هذا السّؤال، ثم قال إنت يا محمد من ذكراها، أي من علامتها، لأنك آخر الرّسل، وخاتم الأنبياء، فكفاهم ذلك دليلاً على دنوها، ووجوب الاستعداد لها.
{إنما أنت منذر من يخشاها} أي إنما ينفع إنذارك من يخافها.
{كأنهم} يعني الكفار {يوم يرونها} أي يعاينون يوم القيامة.
{لم يلبثوا} أي في الدنيا، وقيل في قبورهم {إلا عشية أو ضحاها}.
فإن قلت العشية ليس لها ضحى فما معنى قوله: {أو ضحاها}؟
قلت قيل إن الهاء والألف صلة، والمعنى لم يلبثوا إلا عشية، أو ضحى، وقيل إضافة الضّحى إلى العشية، إضافة إلى يومها، كأنه قال: إلا عشية أو ضحى يومها.
والله أعلم بمراده وأسرار كتابه. اهـ.

.قال النسفي:

سورة النازعات:
ست وأربعون آية.
مكية.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{والنازعات غرقاً والناشطات نشطاً والسابحات سبحاً فالسابقات سبقاً فالمدبرات أمراً} لا وقف إلى هنا.
ولزم هنا لأنه لو وصل لصار {يوم} ظرف {المدبرات} وقد انقضى تدبير الملائكة في ذلك اليوم.
أقسم سبحانه بطوائف الملائكة التي تنزع الأرواح من الأجساد {غرقاً} أي إغراقاً في النزع أي تنزعها من أقاصي الأجساد من أناملها ومواضع أظفارها، وبالطوائف التي تنشطها أي تخرجها من نشط الدلو من البئر إذا أخرجها، وبالطوائف التي تسبح في مضيها أي تسرع فتسبق إلى ما أمروا به فتدبر أمراً من أمور العباد مما يصلحهم في دينهم أو دنياهم كما رسم لهم.
أو بخيل الغزاة التي تنزع في أعنتها نزعاً تغرق فيه الأعنة لطول أعناقها لأنها عراب، والتي تخرج من دار الإسلام إلى دار الحرب من قولك ثور ناشط إذا خرج من بلد إلى بلد، والتي تسبح في جريها فتسبق إلى الغاية فتدبر أمر الغلبة والظفر، وإسناد التدبير إليها لأنها من أسبابه.
أو بالنجوم التي تنزع من المشرق إلى المغرب، وإغراقها في النزع أن تقطع الفلك كله حتى تنحط في أقصى الغرب، والتي تخرج من برج إلى برج والتي تسبح في الفلك من السيارة فتسبق فتدبر أمراً من علم الحساب.
وجواب القسم محذوف وهو (لتبعثن) لدلالة ما بعده عليه من ذكر القيامة.
{يوم ترجف} تتحرك حركة شديدة والرجف شدة الحركة {الراجفة} النفخة الأولى وصفت بما يحدث بحدوثها لأنها تضطرب بها الأرض حتى يموت كل من عليها {تَتْبَعُهَا} حال عن {الراجفة} {الرادفة} النفخة الثانية لأنها تردف الأولى وبينهما أربعون سنة، والأولى تميت الخلق والثانية تحييهم {قلوبٌ يومئذٍ} قلوب منكري البعث {وَاجِفَةٌ} مضطربة من الوجيب وهو الوجيف.
وانتصاب {يوم ترجف} بما دل عليه {قلوب يومئذ واجفة} أي يوم ترجف وجفت القلوب، وارتفاع {قلوب} بالابتداء و{واجفة} صفتها {أبصارُها} أي أبصار أصحابها {خاشِعة} ذليلة لهول ما ترى حبرها {يقولونَ} أي منكرو البعث في الدنيا استهزاء وإنكاراً للبعث {أَءِنَّا لمردودون في الحافرة} استفهام بمعنى الإنكار أي أنرد بعد موتنا إلى أول الأمر فنعود أحياء كما كنا؟ و{الحافرة} الحالة الأولى يقال لمن كان في أمر فخرج منه ثم عاد إليه: رجع إلى حافرته أي إلى حالته الأولى.
ويقال: النقد عند الحافرة أي عند الحالة الأولى، وهي الصفقة أنكروا البعث.
ثم زادوا استبعاداً فقالوا {أَءِذا كنا عظاماً نخرة} بالية {ناخرة}: كوفي غير حفص.
وفَعِلَ أبلغ من فاعل يقال: نخر العظم فهو نخر وناخر.
والمعنى أنرد إلى الحياة بعد أن صرنا عظاماً بالية؟ و(إذا) منصوب بمحذوف وهو {نبعث} {قالوا} أي منكرو البعث {تِلْكَ} رجعتنا {إذاً كَرَّةٌ خاسرةٌ} رجعة ذات خسران أو خاسر أصحابها، والمعنى أنها إن صحت وبعثنا فنحن إذاً خاسرون لتكذيبنا بها وهذا استهزاء منهم {فَإِنَّما هي زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ} متعلق بمحذوف أي لا تحسبوا تلك الكرة صعبة على الله عز وجل فإنها سهلة هينة في قدرته فما هي إلا صيحة واحدة يريد النفخة الثانية من قولهم: زجر البعير إذا صاح عليه {فإذا هم بالسَّاهِرةِ} فإذا هم أحياء على وجه الأرض بعدما كانوا أمواتاً في جوفها.
وقيل: الساهرة أرض بعينها بالشأم إلى جنب بيت المقدس أو أرض مكة أو جهنم.
{هل أتاك حديث موسى} استفهام يتضمن التنبيه على أن هذا مما يجب أن يشيع والتشريف للمخاطب به {إذ ناداه رَبُّهُ} حين ناداه {بالوَادِ المقَدَّسِ} المبارك المطهر {طوى} اسمه {اذهب إلى فرعون} على إرادة القول {إنَّهُ طغى} تجاوز الحد في الكفر والفساد.
{فقل هل لّك إلى أن تزكى} هل لك ميل إلى أن تتطهر من الشرك والعصيان بالطاعة والإيمان.
وبتشديد الزاي: حجازي {وَأَهْدِيَكَ إلى رَبِّكَ} وأرشدك إلى معرفة الله بذكر صفاته فتعرفه {فتخشى} لأن الخشية لا تكون إلا بالمعرفة قال الله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر: 28] أي العلماء به.
وعن بعض الحكماء: اعرف الله فمن عرف الله لم يقدر أن يعصيه طرفة عين.
فالخشية ملاك الأمور من خشي الله أتى منه كل خير، ومن آمن اجترأ على كل شر.
ومنه الحديث: «من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل» بدأ مخاطبته بالاستفهام الذي معناه العرض كما يقول الرجل لضيفه: هل لك أن تنزل بنا؟ وأردفه الكلام الرقيق ليستدعيه باللطف في القول ويستنزله بالمداراة عن عتوه كما أمر بذلك في قوله تعالى: {فقولا له قولاً ليناً} [طه: 44] {فأراه الآية الكبرى} أي فذهب فأرى موسى فرعون العصا أو العصا واليد البيضاء لأنهما في حكم آية واحدة {فَكَذَّبَ} فرعون بموسى والآية الكبرى وسماهما ساحراً وسحراً {وعصى} الله تعالى: {ثمّ أدْبَرَ} تولى عن موسى {يسعى} يجتهد في مكايدته، أو لما رأى الثعبان أدبر مرعوباً يسرع في مشيته وكان طيّاشاً خفيفاً {فَحَشَرَ} فجمع السحرة وجنده {فنادى} في المقام الذي اجتمعوا فيه معه {فقال أنا ربّكم الأعلى} لا رب فوقي وكانت لهم أصنام يعبدونها {فأخذه الله نكال الآخرة} عاقبة الله عقوبة الآخرة والنكال بمعنى التنكيل كالسلام بمعنى التسليم.
ونصبه على المصدر لأن أخذ بمعنى نكل كأنه قيل: نكل الله به نكال الآخرة أي الإحراق {والأولى} أي الإغراق، أو نكال كلمتيه الآخرة وهي {أنا ربكم الأعلى} والأولى وهي {ما علمت لكم من إله غيري} [القصص: 38] وبينهما أربعون سنة أو ثلاثون أو عشرون {إنّ في ذلك} المذكور {لَعِبْرَةً لّمن يخشى} الله.
{ءَأنتُمْ} يا منكري البعث {أشَدُّ خَلْقاً} أصعب خلقاً وإنشاء {أم السَّمَاءُ} مبتدأ محذوف الخبر أي أم السماء أشد خلقاً.
ثم بين كيف خلقها فقال: {بناها} أي الله.
ثم بين البناء فقال: {رَفَعَ سَمْكَهَا} أعلى سقفها.
وقيل: جعل مقدار ذهابها في سمت العلو رفيعاً مسيرة خمسمائة عام {فسواها} فعدلها مستوية بلا شقوق ولا فطور {وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا} أظلمه {وأَخْرَجَ ضُحَاهَا} أبرز ضوء شمسها، وأضيف الليل والشمس إلى السماء لأن الليل ظلمتها والشمس سراجها {والأَرْضَ بَعْدَ ذلك دحاها} بسطها وكانت مخلوقة غير مدحوة فدحيت من مكة بعد خلق السماء بألفي عام.
ثم فسر البسط فقال: {أَخْرَجَ منها مَاءَها} بتفجير العيون {ومَرْعَاهَا} كلأها ولذا لم يدخل العاطف على {أخرج} أو {أخرج} حال بإضمار (قد).
{والجبال أرساها} أثبتها وانتصاب الأرض والجبال بإضمار دحاً وأرسى على شريطة التفسير {متاعاً لَّكُمَ ولأنعامِكُمْ} فعل ذلك تمتيعاً لكم ولأنعماكم {فإذا جاءتِ الطَّامَّةُ الكبرى} الداهية العظمى التي تطم على الدواهي أي تعلو وتغلب وهي النفخة الثانية، أو الساعة التي يساق فيها أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار.
{يوم يَتَذَكَّرُ الإنسانُ} بدل من {إذا جاءت} أي إذا رأى أعماله مدونة في كتابه يتذكرها وكان قد نسيها {ما سعى} مصدرية أي سعيه أو موصولة {وبرزت الجحيم} وأظهرت {لمن يرى} لكل راء لظهورها ظهوراً بيناً.
{فأمّا} جواب {فإذا} أي إذا جاءت الطامة فإن الأمر كذلك {من طغى} جاوز الحد فكفر {وَءَاثَرَ الحَياةَ الدُّنْيَا} على الآخرة باتباع الشهوات {فإن الجَحِيمَ هِيَ المأوى} المرجع أي مأواه، والألف واللام بدل من الإضافة وهذا عند الكوفيين، وعند سيبويه وعند البصريين هي المأوى له {وأمّا من خاف مَقَامَ رَبِّهِ} أي علم أن له مقاماً يوم القيامة لحساب ربه {ونهى النَّفْسَ} الأمارة بالسوء {عن الهوى} المؤذي أي زجرها عن اتباع الشهوات.
وقيل: هو الرجل يهم بالمعصية فيذكر مقامه للحساب فيتركها، والهوى ميل النفس إلى شهواتها {فإنّ الجَنَّةَ هِيَ المأوى} أي المرجع {يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أيَّانَ مُرْسَاهَا} متى إرساؤها أي إقامتها يعني متى يقيمها الله تعالى ويثبتها {فِيمَ أنتَ مِن ذِكْرَاهَآ} في شيء أنت من أن تذكر وقتها لهم وتعلمهم به أي ما أنت من ذكراها لهم وتبيين وقتها في شيء كقولك: ليس فلان من العلم في شيء.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يذكر الساعة ويسأل عنها حتى نزلت، فهو على هذا تعجب من كثرة ذكره لها أي أنهم يسألونك عنها فلحرصك على جوابهم لا تزال تذكرها وتسأل عنها.
{إلى رَبِّكَ مُنتَهَاها} منتهى علمها متى تكون لا يعلمها غيره، أو فيم إنكار لسؤالهم عنها أي فيم هذا السؤال.
ثم قال: {أنت من ذكراها} أي إرسالك وأنت آخر الأنبياء علامة من علاماتها فلا معنى لسؤالهم عنها، ولا يبعد أن يوقف على هذا على {فيم} وقيل {فيم أنت من ذكراها} متصل بالسؤال أي يسألونك عن الساعة أيان مرساها ويقولون أين أنت من ذكراها.
ثم استأنف فقال: {إلى ربك منتهاها} {إنّما أنت منذر من يخشاها} أي لم تبعث لتعلمهم بوقت الساعة وإنما بعثت لتنذر من أهوالها من يخاف شدائدها.
{منذر} منون: يزيد وعباس {كَأنَّهُمْ يوم يَرَوْنَهَا} أي الساعة {لم يَلْبَثُوا} في الدنيا {إلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} أي ضحى العشية استقلوا مدة لبثهم في الدنيا لما عاينوا من الهول كقوله: {لم يلبثوا إلا ساعة من نهار} [الأحقاف: 35] [يونس: 45] وقوله: {قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم} [الكهف: 19] [المؤمنون: 113] وإنما صحت إضافة الضحى إلى العشية للملابسة بينهما لاجتماعهما في نهار واحد، والمراد أن مدة لبثهم لم تبلغ يوماً كاملاً ولكن أحد طرفي النهار عشيته أو ضحاه، والله أعلم. اهـ.